[color=Teal]لنتأمل في لفظة " غرار "
إنّ للفظة " غرار" أصولٌ ثلاثةٌ صحيحة :
الأول : المثالُ مِن قولِ الناسِ : فُلانٌ على غِرارِ فُلانٍ ، أي على مِثالِهِ .
الثاني : النُّقْصانُ ، مِن قولِكَِ : غارَّتْ
الناقةُ ، إذا نقَصَ لبنُها ، و في الحديثِ " لا غِرارَ في صلاةٍ و لا
تسليمٍ " أي : لا نقْصَ .
الثالثُ : الغُرَّةُ ، و غُرَّةُ الشئِ أكرمه ، و منها البياضُ ، و الليالي الثلاثُ الأُوَلُ من الشهرِ
حيثُ أنَّ المباني مدخلٌ لِفَقْهِ المعاني ، و للحروفِ إشاراتٌ و أسرارٌ ، و
للفظِ ذوقٌ يُدرِكُه مَنْ أدرَكَهُ ، فلهذين الحرفين ، بأصولهما الثلاثةِ
إشاراتٌ بالغاتٌ ، و معانٍ باسقاتٌ ، أسوقُ شيئاً ، و يُدركُ القارئُ
أشياءَ .
المرءُ في حياتِه يطمحُ لأن يكون في حالٍ حسنةٍ ، و في هيئةٍ
مُسْتَحْسَنَةٍ ، لا يشوبها شائبة ، و لا يعتريها عَوَرٌ ، و له الحقُّ في
ذلك ، فإنَّ مَن منحه اللهُ عقلاً ، و وهبَه فِكراً لا يرتضي بالمقامِ
الراكد ، و لا يلتفت إلى المحلِّ الجامد ، بل يسعى للارتقاءِ ، و يرتقي
بالانتقاءِ .
و مسيرتُه لا بُدَّ له فيها مِنْ (غِرارٍ ) يَحتذي فيها غرارَه ، ليكون
الطريقُ أمامه بيِّناً ، و شاراتُه بارزة ، فلا يَتُوْه في بُنَيَّاتِ
الطُرُقِ ، و لا يضيع في متاهاتِ الفِرَقِ ، و قَيْدُ الـ (غِرارِ) أنْ
يكون عارفاً بالطريقِ ، ضابطاً معالِمَهُ ، أميناً ، مُخلِصاً ، ليكون مَن
سَلَكَ الـ (غِرار) آمناً ، مُطمئناً .
و على الآخذِ بالـ (غِرار ) أن يُدَقِّقَ حالَ الانتقاءِ ، فليستْ حياته محلَّ التجارب ، و لا موطناً للتنقُّلاتِ .
فإذا أردتَ أن تكون ناجحاً في شئٍ ، و آتياً به على أتمِّ وجهٍ فاتخذِ الـ
(غِرارَ ) الأكمل ، و الأتمَّ الأجمل ، ليُقالَ : فُلانٌ على (غِرارِ )
فُلانٍ .
هذا أصلٌ أولٌ في مسيرةِ التألُّقِ .
الطريقُ طويلٌ ، و الـ (غِرارُ ) بشَرٌ ، فلا يَخلو الـ ( ُ ) مِن
(غِرارٍ ) ، و ليسَ عيباً ، و إنما العيبُ الإبقاءُ للـ (غرارِ) دون إكمالٍ
، و التَّرْكُ دونَ إتمامٍ .
فالـ (غِرارُ ) ثلاثٌ :
الـ ( غِرارُ ) الأولُ : في الـ ( غِرارِ ) [ الذي هو الأصل الأول ] ، بأن يكون فاقداً شيئاً من قُيودِ كونهِ مُتَّخَذَاً لذلك .
و الـ ( غرارُ ) الثاني : في الطريقِ ، فلا تأخذ طريقاً خاطئة ، فليستْ
كلُّ الطرُقِ تؤدي إلى الهدفِ ، و ليسَ مَن رام الخير مُصِيْبَهُ ، فاعرف
الطريقَ حقَّ المعرفةِ ليكون مسيرُكَ على ( غرارِ ) الصوابِ .
و الـ ( غرارُ ) الثالثُ : في الذاتِ ، فكمِّلْ ذاتَك ، و تمِّمْ صِفاتَك ،
و أطلقِ القُدُراتِ ، و لا تكونَنَّ مِمَّنْ انتابَهُ ( غرارٌ ) في ذاتِه ،
فضَيَّعَ صِفاتَه ، و فرَّطَ في أمرِه .
و هذا أصْلٌ ثانٍ في مسيرةِ التألُّقِ .
كُنْ في مسيرَتِكَ دوماً ذا :
(غُرَّةٍ ) في نَفْسِكَ ، و في خُلُقِكَ ، و في مالكَ ، فإنَّ الـ ( غُرَّةَ) لا تتأتَّى إلا بَعْدَ أن تُحقِّقَ ذلك في ما ذُكِرَ .
و هذه الـ ( غُرَّةُ ) تَتَطلَّبُ أن يكونَ لونُكَ منطبعاً بياضُهُ على : قلبِك فيكون في بياضِ اللبنِ ،
و في ثَوبِكَ ليكون في بياضِ الثلجِ ، و في نفسيَّتِكَ لتكون الدنيا كُلُّها (غُرَّةً ) و تَكونَ أنتَ ( غُرَّةً ) في جبين الزمانِ .
و حتَّى تَكونَ ( غُرَّةً ) في الجبينِ كُنْ ( غُرَّةً ) في كلِّ فضيلَةٍ ، وَ ( غُرَّةً ) في الطريقِ ، وَ ( غُرَّةً ) في كلِّ شئٍ و قبلِ كلِّ شئٍ .
و هذا أصلٌ ثالثٌ في مسيرةِ التألُّقِ .
هكذا تأملْتُ ، بَعْدَ أن تَذَوَّقْتُ ، فَكتبتُ .